السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حب الوطن وصدق الانتماء إليه
نظرة شرعية
الجزء الثاني
5ـ المقصود بالوطنية وهدفها :
لسائل أن يسأل ـ بعدما ذكر ـ ويقول : ما المراد بالوطنية ؟ وما هدفها ؟ فنقول :
الوطنية : تأتي بمعنى حب الوطن ..
وهي الرحم الذي أنجب المواطنة التي تمثلت في علاقة الحاكم بالمحكوم من حيث تبادل الحقوق والواجبات بناءً على رابطة الدين أولاً ثم الرابطة الوطنية ثانياً ..
فلابد من غرس التربية الوطنية في نفوس الناشئة بخاصة ..
كما تهدف إلى تبصير المواطن بالأخطار التي تهدد وطنه , وتحصينه ضد الأفكار والآراء التي قد تهدده وتعصف بأنه الفكري ..
وخلاصة القول :
أن المواطنة الصالحة الإيجابية : تتجلى في القول , والعمل ..
وفي الترك والفعل .. في التوازن بين الحقوق والواجبات ..
فهي لا تعدوا أن تكون ( قيام الإنسان بحقوق وطنه المشروعة في حدود الإسلام
وأحكامه ..)
6ـ حقوق الوطن علينا :
حق الوطن على الإنسان عظيم أكثر من أن يعد ويحصى في هذه العجالة وحسبي أن الجميع يدرك ذلك على ضوء ما قدمنا ..
كما أن لمن يتولى أمر هذا الوطن حقوق كثيرة مرعية وواجبات مدونة على كافة الرعية .. لعظم قدره ومكانته ومسؤوليته ..
وقد خلق الله تعالى الأرض ودحاها , وسخر كل ما فيها لبني الإنسان .. ليعمرها عمارة معنوية بالطاعات .. وليعمرها عمارة حسية بالبناء والتنمية والإنتاج والتقدم والرقي والحضارة . . والمحافظة على خيراتها وثرواتها . .
يقول تعالى : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} الملك / 15 .
هذا في عامة الأوطان ... فكيف إذا كان هذا الوطن هو بلاد الحرمين .. ومهبط
الوحي .. ومهوى الأفئدة .. وقبلة المسلمين ...
ومأوى نبي الأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) ..
وفي رباه وربوعه تطبق أحكام الإسلام في شتى شؤون الحياة .. فالمسؤولية إذاً أعظم .. والحقوق أكثر .. والواجبات أكبر والله المستعان .. ؟ ؟ !!
فنحن ندرك جميعاً مكانة هذا الوطن على جميع المستويات العربية والإسلامية والدولية وما يحظى به من تقدير واحترام من الجميع , لسمو أهدافه .. وسلامة متطلباته .
ونبل مقاصده وغاياته .. واعتدال سياسته , وعمق تراثه وأصالته .. ورشادة قيادته .. وحكمتها وحنكتها .. وحرصها على إرادة النفع والخير للجميع في مشارق الأرض ومغاربها .. ومحاربتها للفساد والإرهاب والإفساد .. وسعيها للوحدة والتضامن والاتحاد .. ونبذ الفرقة والخلاف والاختلاف ..
إن واجبنا المحافظة على هذه المكانة وتعزيزها وحمايتها .. وذلك من خلال التعريف بحق الوطن علينا جميعاً والتذكير بما نحن فيه ـ بحمد الله ـ من نعم كثيرة من أجلها نعمة الإسلام والأمن والأمان والطمأنينة والرخاء والاستقرار والوحدة والاجتماع ..
كما أن علينا تبصير الناشئة بأهمية وحدة الوطن .. واجتماع شمل أبنائه ... والالتحام مع قادته وولاته ... وأيضاً تبصيرهم بما يتمتع به قادة هذه البلاد ـ حفظهم الله ـ من حكمة وحنكة وبعد نظر وإخلاص لدينهم واهتمام برعاياهم وأمتهم .. ومالهم من سابقة في تحكيم شرع الله وتنفيذ حدود الله والضرب بيد من حديد على كل مفسد ومخرب
ومجرم ... وعابث ومرهب وضال .. فالواجب علينا معرفة حق هذه النعمة , وشكر المنعم عليها , وألا نقابلها بالكفر والجحود والنكران والتخريب والإفساد والإرهاب ... فنكون ـ عياذاً بالله ـ من الذين قال الله فيهم : ﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار ﴾ إبراهيم / 28 . .
فهذا البلد ـ بحمد الله ـ ينعم بعلاقة قديمة وقوية بين الراعي والرعية , لاتهزها الفتن والأهواء , ولاتكدرها الزوابع والأحقاد ... فلابد من تعميق هذا التلاحم .. والتعبير بجدية عن صدق الانتماء والوفاء ... وهذا من باب الأمانة والديانة .. وأن نحافظ على مكتسباته ومقدساته وثرواته وخيراته .. وأن ندرأ عنه الفتن والأخطار وأن نذب عن حياضه لاسيما في هذا الوقت الذي يحاول فيه أهل البغي والإفساد والإرهاب التأثير على أمنه واستقراره , والنيل من وحدته وتلاحمه .. والتشكيك في ثوابته ومعتقده ..
وأن نتعاون في ذلك مع القيادة ونتآزر ونتلاحم من أجل مواجهة هذه الفئة الباغية الضالة التي لم تجني على نفسها فحسب بل وعلى الدين والوطن .. ونبعد عنه أي مؤثر أو باغ أو مفسد أو مرهب .. أو ضال أو مفجر أو مكفر .. بل أي غال أو جاف أو متطرف في فكره أو منحرف فيه , أوشاذ في منهجه وأخلاقه وسلوكه ..
وعلينا أن نشخص الداء ونستقصي أسبابه ونكشف فكر الأعداء ومن سار على دربهم ونبين زيفه وزيغه وضلاله .. ومن ثم نضع العلاج الناجح بعمق واتزان ومصارحة كل بحسبه للقضاء على هذه المشكلة والانحراف .. وتقرير السلم والأمان والاطمئنان للوطن وأهله ..
وأن لا ننخدع بتأثيرات من يسعى لتدمير وطنه وترويع الآمنين فيه وتخويفهم وإرجافهم . . وتبرير هذه الفعال المشينة المحرمة شرعاً وعقلاً بدعوى حب الدين ونصرته .. والجهاد والشهادة في سبيل الله , والله ورسوله بريء من هذا الفعل القبيح والعمل المشين , والتصرف المناهض للدين ..!! فأمثال هؤلاء هل يقال إنهم مواطنون صالحون مخلصون نافعون لدينهم وأوطانهم ومجتمعاتهم ..
لا , وكلا بل وألف كلا ..؟!!
7ـ مفهوم المواطن الصالح :
مما تقدم نستطيع أن نحدد مَنْ المواطن الصالح , فنقول : إن المواطن في المفهوم العام هو : القاطن في الأرض التي اتخذها موطناً له .
وأقصد به هنا : الفرد الذي يعيش على أرض المملكة العربية السعودية ـ وطننا الحبيب ـ ينتمي إلى رعاياها , له حقوق , وعليه واجبات . . فهو سعودي الجنسية . . دينه الإسلام . . ولغته العربية . . وتربطه بإخوانه من أفراد الشعب السعودي الآخرين روابط الأخوة في الإسلام والعروبة , والمصير المشترك . .
والمواطن الصالح : هو ذلك الإنسان الذي أعد نفسه إعداداً تربوياً سليماً وفق أحكام الإسلام وآدابه وتعاليمه . . مع البعد عن أي انحراف فكري أو سلوكي أو خلقي . . هدفه بعد توحيد الله وعبادته عمارة الأرض وتحقيق خلافة الله فيها , والدفاع عن دينه ووطنه وأمته . . حريصاً على أمن الوطن والحفاظ على مكتسباته ومقدراته . . . إلخ . .
وعليه فإنه لا يكون مواطناً صالحاً من كان منحرفاً في فكره , و واقعاً في البدعة في الدين , وسيئاً في خلقه ومعاملته ... وغال في فكره ومنهجه ومتطرفاً فيه .. بل ومقلداً لفكر الخوارج وأهل الضلال .. وغير معظم لشعائر الدين . .
ولا يكون مواطناً صالحاً من يسعى لتدمير بلده ووطنه ويخطط لذلك . . وينزع يد الطاعة من سلطانه وولي أمره الشرعي .. وساعد أو يدير العمليات التخريبية في السر والخفاء والظلام والسواد كالخفافيش التي تعمل بالظلام .. وفي النهاية لا دينه نصر .. ولا وطنه خدمه وأسعده .. بل لا يزيد فعله للإسلام إلا تشويهاً وانتقاصاً وحرباً مادية ومعنوية من الأعداء عليه .. مع الأسف الشديد ؟ ؟ ! !
فالمواطن الصالح هو عكس ما تقدم فهو الذي يحب السلام والأمان ... والخير لبلده ووطنه ومواطنيه وأهله وشريعته ودينه وأهل ملته . . ولا ينقض يداً من بيعة . . ويحب ولاة أمره , ويتلاحم معهم ويكون ناصراً لهم ومعيناً ومتعاوناً مهم على البر والتقوى ... ويحب أن يعيش الكل بسلام ومودة ووئام واطمئنان في ظل شريعة الرحمن , وهدي القرآن .. ولا يساوم على أمن وطنه أو يزايد عليه مهما كانت الأسباب والمبررات .. فالأمن مصدر كل خير .. ولن يستطيع أي إنسان أو فرد أن يمارس عمله في أي حقل حضاري إلا في ظل الأمن .. ولهذا شدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مسألة السمع والطاعة ولزوم الجماعة ـ جماعة المسلمين ـ وغلّظ على الخارجين المارقين , وأهدر دمهم وقال :(( من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً , مات ميتة جاهلية )) [1]متفق عليه . . أو كما قال عليه الصلاة والسلام . . كما أن محاربة المؤسسات الشرعية والنظامية في الدولة أو العبث فيها أو تخريبها أو النيل منها يعد خروجاً على السلطان وعن طاعته فالسلطان ليس فرداً أو شخصاً بعينه إنما هو مفهوم وقيمة متى اجتمعت عليه الكلمة وتعين سلطانه وملكه وتمت مبايعته . . فالمواطن الصالح إذاً رجل أمن . يسعى لتحقيق الأمن , ويعده مطلباً ضرورياً وأساساً للاستقرار وعبادة الملك الديان . . ويطيع ولي أمره وقادته في كل الأحوال في المنشط والمكره بالمعروف . .
ويعلم أن النعمة التي نعيشها ليست لمواطن دون مواطن , إنما هي نعمة للجميع للكل دون تفرقة على كل مواطن أن يؤدي واجبه تجاهها, ويبذل جهده للمحافظة عليها , وعلى استقرار بلده , وتقدمه في أي منطقة أو محافظة أو مكان أو بقعة في الحاضرة أو البادية . . على كافة الأصعدة والاتجاهات . . ؟ ؟
فعلى الفلاح في مزرعته أن يكون رجل أمن . . وعلى التاجر في تجارته أن يكون رجل
أمن , وهكذا . . فنحن كلنا رجال أمن . . وعلينا أن ندرك أننا مستهدفون . . نواجه حملة ظالمة في وسائل الإعلام ؛ وقد يكون بعضها من وسائل الإعلام العربية المأجورة ؟ ؟ . . وهي حملات تحاول التشكيك في تلاحمنا في وحدتنا . . في ديننا . . في معتقدنا . . في ثوابتنا . . في تطبيقنا لشريعة ربنا . . في أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر . . في منجزاتنا . . في خيراتنا . . في مناهجنا التعليمية . . في مواقفنا الرائدة المشرفة في كافة المحافل المحلية والعربية والدولية . . ومصدر ذلك كله الحسد والحقد على النعمة التي نتفيأ ظلالها , ونتقلب في خيراتها فكل ذي نعمة محسود . . !! حيث نعيش في بلد ـ بحمد الله ـ آمنين على أنفسنا , وأعراضنا , وأموالنا وعقولنا مطبقين شرع ربنا , ضاربين بيد من حديد على كل متعد لحدود الله أو عابث في أمن هذا الوطن ومقدراته . . وهي نعمة ولاشك حرم منها الكثير من الشعوب والدول نامية أو متقدمة في عالم أرعبه الخوف ومزقه الجوع وضاق بالفاقة . . .
وعلى كل مواطن مخلص أن يواجه هذه الحملات والشائعات المغرضة بالرد عليها كل حسب طاقته وجهده وبقدر علمه وثقافته ووعيه واستيعابه . . بأسلوب علمي رصين هادف حكيم , بعيد عن الجدال والمراء والمهاترة والإنشاء . . فنحن وبحمد الله نعيش في وطن أرضه صلبه , وقاعدته متينة , أمورنا واضحة , وأعمالنا ظاهرة لكل ذي لب وبصيرة وعقل راشد منصف . . فواقعنا يحكي ذلك . . وتمسكنا بديننا ومعتقدنا الحق خير برهان ودليل . . . ولغة الأرقام تترجم حالنا , فلسان حالها يقول : إننا أنجزنا خلال ثلاثين سنه فقط ما لم تنجزه أكبر الدول المتقدمة في عشرات السنين . . وأنفقنا بلايين الريالات بل الدولارات على إعداد وبناء المواطن السعودي وتأهيله تأهيلاً عالياً دينياً وعلمياً وتقنياً . . ودفعنا بلايين الريالات لإخواننا المحتاجين والمتضررين في كافة أنحاء العالم لاسيما الدول العربية والإسلامية وذلك فضل من الله ومنّة . .
8ـ أثر الانحراف الفكري على أمن الوطن :
الأمن كما هو معلوم أصناف متعددة: الأمن السياسي, والأمن العسكري, والأمن الاجتماعي , والأمن الاقتصادي, والأمن الجنائي, والأمن الغذائي , والأمن الصحي , والأمن السلوكي . .
وكل هذه ولاشك متفرعة عن (الأمن الوطني) إلى أن نصل إلى (الأمن الفكري) الذي يأتي على رأس القائمة لأهميته وحساسيته النابعة من مخاطبته للعقل أساساً, وصلته الوثيقة بكل أصناف الأمن الأخرى إجمالاً . .
وما من شك أن تحقيق الأمن الفكري لدى الفرد يؤمن تحقيقاً تلقائياً للأمن في الجوانب الأخرى كافة . .
ذلك أن العقل هو مناط التكليف, ومناط القيادة الواعية المتميزة للإنسان . . وهو الجهة القيادية الموكلة بكل أصناف الأمن الأخرى . . فإذا صلحت هذه القيادة صلح كل أفراد عائلة الأمن والعكس إذا فسدت فسد كل أفراد عائلة الأمن الأخرى . .
فمثلاً: إذا لم يتحقق الأمن الفكري لدى الفرد بمعنى أنه لم يعد بملك الحصانة الفكرية ضد أية تيارات فكرية منحرفة أو اتجاهات ضالة أو دعوات ذات مفاهيم مادية مختلفة . . أو إلى الاتجاهات التخريبية والإفسادية والإرهابية كالاتجاه للتفجير أو التخريب أو الإفساد أو حتى إلى المخدرات وغيرها.. فهذه التيارات المنحرفة والاتجاهات السلوكية الضالة, والأفكار الشاذة الساقطة يسهل عليها جرف أصحاب العقول الخربة غير المتسلحة بسلاح العلم الشرعي الصحيح والإيمان والثوابت الراسخة السليمة والتي فقدت شخصيتها وهويتها من خلال فقدها للسلاح والحصانة الفكرية السليمة التي تقيها شر ذلك وأثره الضار. .
وبناء على ذلك نجد أن بعض الكتاب يحدد مفهوم الأمن الفكري بأنه ( حفظ العقول من المؤثرات الفكرية والثقافية الضارة المنحرفة عن طريق الاستقامة والوسطية . . سواء أكان هذا الانحراف انحراف شهوة أم شبهة) .
أو هو (حماية عقل الانسان وفكره ورأية في إطار الثوابت الأساسية والمقاصد الشرعية, والحقوق المشروعة المنبثقة عن الإسلام عقيدة وشريعة وحياة ومنهجاً وسلوكاً وعبادة ومعاملة)..
وباختصار هو: الحفاظ على الفرد والمجتمع والأمة من كل قرصنة فكرية, أو سمرة ثقافية, أو تسللات عولمية تهز مبادئه, وتخدش قيمه, وتمس ثوابته . . حتى يعيش آمناً مطمئناً على مكوناته الشخصية, وتميزه الثقافي والمعرفي, ومنظومته الفكرية المستمدة من الكتاب والسنة وسيرة سلف الأمة من الصحابة وتابعيهم بإحسان . .
وأهم ما يتميز به هو التأكيد على وسطية الإسلام التي حاربت كل غلو وتطرف وتشدد..
فعلى الشباب أن يعوا ذلك فهم عنوان تقدم الوطن ومصدر أمنه وبنائه وسلامته . . وهم عماده وعدة مستقبله الذين تجب المحافظة عليهم من أي تضليل أو انحراف فإنه لابد من تأمينه فكرياً , لأن السلوك وليد الفكر . . وسبق بيانه من قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قوله :
(( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله , ألا وهي القلب )) [2]. . ومن ثم فإنني في هذه المناسبة ـ كما غيرها من المناسبات ـ أحذر من الانحراف لاسيما في مرحلة الشباب أياً كان نوع هذا الانحراف ـ لاسيما الانحراف الفكري ـ , الانحراف عن الأصول والثوابت والأسس والمبادئ والمثل والقيم والأخلاق النابعة من الدين والشريعة الحقة , والمعتقد الصحيح الخالص . .
9ـ أسباب الانحراف الفكري :ـ
الانحراف الفكري لاشك هو على النقيض من الأمن الفكري فهو عكسه . . وهو يتمثل في إبعاد الناس عن محاسن هذا الدين ومميزاته وخصائصه . . فضلاً عن أصوله ومبادئه واستمداداته الأصلية , ومنابعه وثوابته الأساسية . . كما يتمثل في زعزعة المعتقد الحق , أقصد عقيدة المسلم الصحيحة , لأن أي محاولة للنيل منها أو تغييرها أو تبديلها أو الإخلال بها فإن ذلك يعني اضطراب الأمن الفكري . . لأنه إذا ما نيل منها انتشرت البدع والآراء والتوجهات الضالة , والاجتهادات غير المنضبطة بضوابط الشرع . . ومن ثم تشبع ثقافة الإرهاب الذي يعد الدافع الرئيس له هو الفكر الضال . . ولاشك في خطورة الإرهاب على أمن البلاد واستقرارها وعلى أمن المجتمع بعامة بكل مقوماته , وخطورته على الأمن الوطني والإقليمي , وعلى كيان الدولة وسيادتها . .
هذا وإن الانحراف الفكري له أسباب كثيرة من أهمها :
- سوء الفهم أو الفهم الخاطئ أو القاصر للدين تطرفاً وغلواً والخروج عن منهج السلف الصالح .
- الفهم الخاطئ للجهاد والعلاقة من غير المسلمين وكذا ضعف التأصيل الشرعي .
- عدم طلب العلم على أهله وأخذه من أهله ومظانه .
- إعجاب المرء برأيه والنفور من الرأي المخالف أياً كان وعدم تقبله أو سماعه ومناقشته.
- ترك المرجعية الدينية في مجال العلم والفقه والفتوى .
- انتشار البث الفضائي المباشر المرئي والمسموع وشبكات الإنترنت .
- عدم رد المتنازع فيه إلى الله ورسوله أي إلى ( الثوابت الدينية المعتبرة ) والمتمثلة في قوله تعالى : ﴿ وما اختلفتم فيه من شيئ فحكمه إلى الله ﴾ الشورى /10 , وقوله سبحانه وتعالى :﴿ فإن تنازعتم في شيئ فردّوه إلى الله والرسول ﴾ النساء /59 وقوله سبحانه وتعالى :﴿ . . ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله ﴾ القصص /50 . . إلخ . .
- تفريغ أذهان الشباب من محتوياتها الحقة الصحيحة , وتلقينهم أفكاراً ظلامية ووساوس, وأماني باطلة .
- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعد فريضة دينية .
- التقصير في التربية الوطنية لدى الناشئة . .
- إهمال أسلوب الحوار الهادئ الهادف مع الشباب . .
- الفراغ والبطالة المصطنعة بين الشباب . .
فالانحراف الفكري لاسيما في مرحلة الشباب خطير وعظيم ومخوف . . فمنحرف اليوم هو مجرم الغد ـ مالم تداركه عناية الله ـ . . فلابد من رعاية الشباب والاهتمام بهم ورعاية شؤونهم وغرس حب الوطن في نفوسهم بعد حب الله ورسوله . .
فعلى قدر رعايتهم والعناية بهم يتحدد مصير الأمة والمجتمع . . . وحتى لا يكونوا أعداءً لأوطانهم . . أو عوناً للأعداء عليها . . . وإن النفس لأمارة بالسوء ـ إلا ما رحم ربي ـ فإذا أرخى المرء لها العنان ذهبت به مذاهب الردى , ووجد الحاقدون فيها مدخلاً لأغراضهم وأهوائهم . .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
[1] متفق عليه ( البخاري في كتاب الفقه الحديث 7053 ) و ( مسلم في كتاب الإمارة الحديثة 1849 ) . . [2] أخرجه البخاري رقم ( 52 ) ومسلم في المساقاة رقم ( 1599) في الإيمان . .