بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
________________________
أعداد الخريجين الذين ينتظرون المقابلات الشخصية في إزدياد ...
(بكرة عندي مقابلة شخصية) ... قد يقولها أحدهم وهو في إرتباك وقلق ... وقد لا نلومه هنا ... ففيها يتم تحديد مستقبله ...
قد يكون بعضكم قد مرت عليه تلك التجربة من قبل ... وقد يكون قد وفق فيها أو لم يوفق ... وقد يحزن كثيراً إذا لم يتم اختياره ... وقد يغضب إذا علم أن شخصاً آخر أقل منه مستوى تم اختياره بدلاً منه ... وفوراً سيتبادر إلى ذهنه أن الواسطة هي السبب رغم أنها قد تكون بريئة من ذلك ... ويبدو أننا أصبحنا نبرر أي شيء لا نستطيع الوصول إليه بالواسطة ... لقد أصبحت هي الشماعة لكثير من أخطائنا ... نعم قد تكون هي السبب في بعض الأمور ولكن ليس في كل الأمور ... ولا سيما أننا نتحدث هنا عن الشركات الخاصة وليس الدوائر الحكومية ... حيث أن الأخيرة تلعب فيها الواسطة دوراً مهماً بعكس الأولى ...
ربما كنت أفضل عملاً وأكثر حماساً وأحسن علماً ممن تم اختياره بدلاً منك ... ولكن ...
تخيل معي أنه يوجد عطل ما في كمبيوترك ... ولديك شخصان تطوعا للقيام بإصلاحه ... عندما شرحت المشكلة لكل منهما لاحظت أن الأول جلس يفكر لفترة ثم قال: لا أعرف ولكن دعني أحاول ... أما الآخر فقال بدون تردد: هذه المشكلة تأتي بسبب كذا وقد تلاحظ أن الرسالة الفلانية تظهر لك دائماً أما حلها فهو كذا وكذا وكذا ... الآن ... من منهم ستسمح له بإصلاح جهازك ؟؟؟ الثاني بالطبع ... لماذا ؟؟؟ لأنك تحس أن لديه معلومات أكثر من الأول ...
الآن ... دعنا نقول أن لديهم نفس المعلومات تماماً بدون أن تدري ... فحدثتهم عن مشكلتك وسألت الأول إن كان بإمكانه إصلاحها فرد بقوله: حلها صعب ويأخذ وقتاً طويلاً ... أما الثاني فقال لك: أعرفها جيداً ولن يأخذ حلها أكثر من نصف ساعة ... جواب الثاني دل على ثقة بالنفس بشكل أكبر ... وفي الغالب ستختاره هو لإصلاح المشكلة ... رغم أن إجابة الأول لم تدل على أنه غير قادر على حلها ...
الثقة بالنفس هي من أهم العوامل التي تجعل البقية يفضلونك على غيرك ... ولكي تبين ثقتك بنفسك عليك أن تتحلى بالهدوء وضبط النفس ... وقد لا يجيد هذا الأمر الكثير ... خصوصاً إذا كان من يعمل المقابلة معك شخص يتعمد إثارة غضبك ...
ولكي تكون قادراً على ذلك ... دائماً انظر إلى عين الشخص الذي يجري معك المقابلة ... ضع عينك في عينه طول الوقت (مع إبتسامة هادئة) ... حتى وإن كنت تجيب عن سؤال أو تصف شيئاً معين ... لأن ذلك يشعره بأن ثقتك بنفسك كبيرة ولست قلقاً أو مرتبكاً ...
قد يسألك الشخص الذي يجري معك المقابلة أسئلة غريبة ... ولا دخل لها في التخصص أبداً ... قد يبدأ هو في البداية بسرد بعض المعلومات عليك لفترة من الوقت ... وبعد أن يسألك عدة أسئلة في مجال التخصص فجأة يسألك سؤالاً في نفس المعلومات التي جلس يمليها عليك في البداية ... وقتها سيعرف إن كنت مركزاً معه فيما قاله لك أم لا ...
قد تأتي بعض الأسئلة التي تحتاج إلى تفكير دقيق ... فمثلاً ... ثلاث بطات تسابقوا فيما بينهن ولم تسبق أي منهن الثانية ... فمن الفائز ؟؟؟ قد تقول لا يوجد فائز ... ولكن الإجابة هي أن البطة الثانية هي الفائزة فلم يسبقها أحد ...
قد تدخل وتغلق الباب ثم تتجه إليه فيقول لك: أغلق الباب لو سمحت ... لو استدرت لتغلقه فقد تنتهي المقابلة بالنسبة له ... نفس الشيء لو كنت جالساً أمامه وسألك: ما هو لون الجدار الذي خلفك ؟؟؟ فلو التفت إلى الخلف فلست بالشخص المطلوب بالنسبة له ... فمن المفروض أن تعرف اللون من خلال رؤيتك للون الجدار الذي أمامك ... فهو نفس لون الجدار الذي خلفك بالطبع ...
قد يتقابل معك شخصان ويتحدثان مع بعضهما عن جودة صناعة إحدى الكفرات على سبيل المثال ... يقول الأول أن كفرات X نوعية ممتازة ويرد الآخر بالإيجاب وأنه قد جربها وهو لا يواجه أي مشكلة معها ... ثم يسألك أحدهم: هل تعرف هذه النوعية من الكفرات ؟؟؟ فإن قلت نعم فلست بالشخص المطلوب ... فلا توجد كفرات بالإسم الذي ذكروه في البداية ...
لو كنت مبرمجاً في لغة معينة وطلب منك من يقابلك تقييم نفسك من 10 في برمجة تلك اللغة ... فإن قلت 10 من 10 ثم سألك سؤالاً في مجالها (ماهي وظيفة هذا الـ dll أو هذا الـ class أو مالفرق بين هذا الإصدار والإصدار الذي قبله) ولم تستطع الإجابة عليه فقد تكون المقابلة منتهية بالنسبة له ... فمن يقول 10 من 10 لابد أن يجيب على أصعب الأسئلة ...
قد تكون الأسئلة إستفزازية ... قد يستسخف أجوبتك أو يغالطك فيها رغم أنك متأكد من صحتها ... قد يسألك أحدهم مثلاً عن آخر مرة لك جلست فيها تبكي ... قد يسألك عن الفرق بينك وبين الحيوان ... قد يسألك ماذا سوف تفعل لو وجدت شخصاً جالساً مع أختك ...
هنا لا يبحث من يجري معك المقابلة عن الإجابة ... وإنما يريد معرفة مقدار ضبطك للنفس ومحافظتك على هدوءك مع الرد الهادئ الذكي لها ... فقد تستطيع القول بكل هدوء أن الحيوان غير عاقل بينما الإنسان عاقل ... أو القول أن الشخص الذي مع اختك بالطبع سيكون أخوها أو أبوها ...
هذه مقابلة شخصية ... فعليك توقع كل شيء فيها ... حتى أسوأ الأمور ... وعليك ضبط النفس وقتها ... فهي مقابلة شخصية ولها حالتها الخاصة التي توجب عليك التكيف معها ... فإن استطعت ذلك وإلا فهناك غيرك قادر عليها ... هم لا يريدون أشخاصاً لا يتحملون ضغط وعبء العمل ... هم لا يريدون أشخاصاً سريعي الغضب ولا يتحكمون في ألسنتهم في الأوقات الحرجة ... يريدون الأشخاص الأقوياء الذين لا ينهزمون أمام أقسى الظروف التي ستواجههم ... ولا تستغرب إن خيل لك أن من يجري لك المقابلة شخص غبي ... فأكثرهم يتعمد التظاهر بالغباء لكي يرى مدى تعاملك معه أو صدقك في إجاباتك ...
المقابلة الشخصية تعتبر امراً مهماً جداً بالنسبة للشركات ... فالشركة سوف تعتمد على الموظف وتدفع له الراتب ... فبالطبع سيهمها ما إذا كان الشخص المتقدم يستحق هذا الشيء أم لا ...
في أحد أيام المهنة في جامعة الملك فهد (وهو يوم تعرض فيه الشركات مميزاتها وتتطلع لتوظيف الخريجين المؤهلين) أتت احدى الشركات بشخص من الخارج متخصص في علم النفس في مجال المقابلات الشخصية ... أتت به لمدة اسبوع فقط لكي يختار لها الخريجين المتقدمين لها ... كان هو الكل في الكل هناك ورغم ذلك لم يكن يسأل أي سؤال ... كان فقط يرى طريقة إجابة كل شخص على الأسئلة التي يسألها بقية الموظفين الذين معه ... وبقية الموظفين ينتظرون الإشارة منه فقط ... حتى أنه أحياناً يتحدث معه الآخرين ولكنه يركز سمعه على طريقة إجابة المتقدمين للشركة ... وإذا قرر اختيار أحدهم كان يؤشر عليه بطريقة يفهمها الموظفين الذين معه ... ووقتها يسجلون اسمه من ضمن المقبولين في الشركة مباشرة بدون علم المتقدم ...
تلك الشركة أتت به لمدة اسبوع ودفعت له مبلغاً كبيراً فقط لكي يختار لها ... لأنها تعلم أن من يتم اختياره من قبله فإنها حتماً لن تواجه أي مشاكل معه في المستقبل ... ما هو السر في إختياره للمتقدمين ؟؟؟ كيف يعلم من الأسلوب فقط أن هذا الموظف يستحق الإختيار بعكس غيره ؟؟؟ لا أعلم ... ولكني أعلم أن الشركة لم تقدم على ذلك إلا وهي تعلم جيداً ما تفعله ...
في فرع من فروع الشركات العالمية الكبرى الموجود في الرياض تقدم أحدهم لطلب وظيفة ... كان معه من المتقدمين 15 شخصاً آخر بنفس المؤهلات ... دخلوا على مدير التوظيف واحداً واحداً وخرجوا جميعاً وجاء دوره هو ولم يبق سواه ... دخل على مدير التوظيف وكان إمريكي الجنسية جالساً يقرأ إحدى الكتب فتقدم إليه وعرفه بنفسه: إسمي فلان وقد أتيت للتقديم على الوظيفة التي أعلنتم عنها ... نظر إليه المدير نظرة استحقار ولا مبالاة وأخذ يمرر عينيه عليه من أسفله إلى أعلاه عدة مرات ثم رجع يقرأ الكتاب مرة اخرى ... فاستمر المتقدم واقفاً ينتظره وبعد فترة إنتظار كرر عليه: إسمي فلان وقد أتيت للتقديم على الوظيفة التي أعلنتم عنها ... فلم يلق له المدير أي اهتمام بل رفع نظره إلى احدى اللمبات وقال: هذه اللمبة تزعج عيني ولا أستطيع القراءة بإرتياح بسببها وأريدك أن تصلحها ... نظر المتقدم إلى تلك اللمبة فوجد إضائتها غير مستقرة فخرج من المكتب وبحث عن أي عامل هناك وعندما وجد أحدهم طلب منه سلماً ولمبة جديدة فأعطاه العامل ذلك ... أخذها ودخل إلى المكتب من جديد وقام بتغيير اللمبة فأصبحت إضائتها معتدلة ... أرجع السلم ودخل على المدير مرة اخرى فإذا بالمدير مباشرة يعطيه رزمة أوراق وقال له: هذا عقد التوظيف جاهز ولم يبق سوى أن توقع عليه ... فتفاجأ المتقدم من ذلك وقرأ العقد فإذا بالراتب عالي والمميزات ممتازة ... فسأل المدير: أنا مستعد أن أعمل بنصف هذا الراتب ولكن أخبرني ماذا يحدث ؟؟؟ قال له المدير: 15 شخصاً دخلوا علي المكتب هذا اليوم ... أنت الوحيد الذي وافق على تغيير المصباح ... وكان ذلك هو اختباري ...
كما قلت سابقاً ... عليك توقع كل شيء ... حتى أسوأ الأمور ... وعليك ضبط النفس وقتها ... فهي مقابلة شخصية ولها حالتها الخاصة التي توجب عليك التكيف معها ...
قد يكون هناك سؤال محرج ... (ما هي نقطة ضعفك ؟؟؟) طبعاً لابد من الدبلوماسية هنا ... فمن الأجوبة المفضلة على هذا السؤال هو القول: (نقطة ضعفي هي أنني لا أستطيع التوقف عند محاولة حل مشكلة معينة) ... أو القول: (لا أحس بالوقت عندما أكون في موضع لحل إحدى المشاكل) ... فإذا كانت إحدى تلك الإجابتين تنطبق عليك ... فلا تتردد في إختيارها ...
نقطة أخيرة مهمة ... في أغلب الأحيان تكون الخمس دقائق الأولى هي التي تحدد ما إذا كانوا سيوافقون على قبولك أم لا ... ولكن بقية الوقت هي للتأكد فقط ... بالتوفيق جميعاً ...