يتبعالسبب السادس عشر
الإيمان هو الحياة
الأشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز الإيمان، ومن رصيد اليقين، فهم أبداً في تعاسة وغضب ومهانة وذلة (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )) .لا يسعد النفس ويزكيها ويهزها ويفرحها ويذهب غمها وهمها وقلقها إلا الإيمان بالله رب العالمين، لا طعم للحياة أصلاً إلا بالإيمان .إذا الإيمان ضاع فلا حياة ولا دنيا لمن لم يحي ديناإن الطريقة المثلى للملاحدة إن لم يؤمنوا أن ينتحروا ليريحوا أنفسهم من هذه الآصار والأغلال والظـلمات والدواهي ، يا لها من حياة تعيسة بلا إيمان، يالها من لعنة أبدية حاقت بالخارجين على منهج الله في الأرض (( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرةٍ ونذرهم في ظغيانهم يعمهون )) وقد آن الآوان للعالم أن يقتنع كل القناعة وأن يؤمن كل الإيمان بأن لا إله إلا الله بعد تجربة طويلة شاقة عبر قرون غابرة توصل بعدها العقل إلى أن الصنم خرافة والكفر لعنة، والإلحاد كذبة، وأن الرسل صادقون، وأن الله حق , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .وبقدر إيمانك قوة وضعفاً، حرارة وبرودة، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك .(( من عمل صلحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) وهذه الحياة الطيبة هي استقرار نفوسهم لحسن موعد ربهم، وثبات قلوبهم بحب باريهم، وطهارة ضمائرهم من أوضاع الانحراف، وبرود أعصابهم أمام الحوادث، وسكينة قلوبهم عند وقع القضاء ورضاهم في مواطن القدر؛ لأنهم رضوا بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا .السبب السابع عشر
اجن العسل ولا تالفرجر الخليةالرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، اللين في الخطاب, البسمة الرائقة على المحيا، الكلمة الطيبة عند اللقاء، هذه حلل منسوجة يرتديها السعداء، وهي صفات المؤمن كالنحلة تأكل طيباً وتصنع طيباً، وإذا وقعت على زهرة لا تالفرجرها لأن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف . إن من الناس من تشرأب لقدومهم الأعناق، وتشخص إلى طلعاتهم الأبصار، وتحييهم الأفئدة وتشيعهم الأرواح؛ لأنهم محبوبون في كلامهم , في أخذهم وعطائهم، في لقائهم ووداعهم .إن اكتساب الأصدقاء فن مدروس يجيده النبلاء الأبرار، فهم محفوفون دائماً وأبداً بهالة من الناس , إن حضروا فالبشر والأنس، وإن غابوا فالسؤال والدعاء .سهرنا ونام الركب والليل مسرفوكنت حديث الركب في كل منزلإن هؤلاء السعداء لهم دستور أخلاق عنوانه(( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميمٌ )) فهم يمتصون الأحقاد بعاطفتهم الجياشة، وحلمهم الدافيء، وصفحهم البريء، يتناسون الإساءة ويحفظون الإحسان، تمر بهم الكلمات النابية فلا تلج آذانهم بل تذهب بعيداً هناك إلى غير رجعة . هم في راحة والناس منهم في أمن والمسلمون منهم في سلام " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دماءهم وأموالهم " , " إن الله أمرني أن أصل من قطعني وأن أعفو عمن ظلمني وأن أعطي من حرمني " , (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) بشر هؤلاء بثواب عاجل من الطمأنينة والسكينة والهدوء .من سالم الناس يسلم من عواذلهمونام وهو قرير العين جذلانوبشرهم بثواب أخروي كبير في جوار رب غفور في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر .السبب الثامن عشر
ألا بذكر الله تطمئن القلوب
الصدق حبيب الله والصراحة صابون القلوب، والتجربة برهان، والرائد لا يكذب أهله، ولم يوجد عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر (( فاذكروني أذكركم )) , وذكره سبحانه جنته في أرضه من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة , وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضطرابها بل هو طريق ميسر مختصر إلى كل فوز وفلاح . طالع دواوين الوحي لتر فوائد الذكر، وجرب مع الأيام بلسمه لتنال الشفاء .إذا مرضنا تداوينا بذكركمونترك الذكر أحياناً فننتالفرجوبذكره سبحانه تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن . بذكره تزاح جبال الكرب والغم والأسى .ولا عجب أن يرتاح الذاكرون فهذا هو الأصل الأصيل، لكن العجب العجاب كيف يعيش الغافلون عن ذكره (( أموات غير أحياءٍ وما يشعرون أيان يبعثون )) .يا من شكى الأرق وبكى من الألم وتفجع من الحوادث، ورمته الخطوب , هيا اهتف باسمه المقدس، هل تعلم له سمياً .الله أكبر كل هم ينجليعن قلب كل مكبر ومهللبقدر إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك، يهدأ قلبك، تسعد نفسك، يرتاح ضميرك، لأن في ذكره جل في علاه معاني التوكل عليه والثقة به والاعتماد عليه والرجوع إليه، وحسن الظن فيه، وانتظار الفرج منه، فهو قريب إذا دعي، سميع إذا نودي، مجيب إذا سئل ، فاضرع واخضع واخشع ، وردد اسمه الطيب المبارك على لسانك ثناء ومدحاً ودعاءً وسؤالاً واستغفاراً ، وسوف تجد بحوله وقوته السعادة والأمن والسرور والنور والحبور (( فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة )) .السبب التاسع عشر
أم يحسدون الناس
على ما آتاهم الله من فضله
الحسد كالأكلة الملحة تنخر العظم نخراً، إن الحسد مرض مزمن يعيث في الجسم فسادا، وقد قيل: لا راحة لحسود فهو ظالم في ثوب مظلوم، وعدو في جلباب صديق . وقد قالوا:
لله در الحسد ما أعدله
بدأ بصاحبه فقتله
إنني أنهى نفسي ونفسك عن الحسد رحمة بي وبك، قبل أن نرحم الآخرين؛ لأننا بحسدنا لهم نطعم الهم لحومنا، ونسقي الغم دماءنا ونوزع نوم جفوننا على الآخرين .إن الحاسد يشعل فرناً ساخناً ثم يقتحم فيه . التنغيص والكدر والهم الحاضر أمراض يولدها الحسد لتقضي على الراحة والحياة الطيبة الجميلة .بلية الحاسد أنه خاصم القضاء واتهم الباري في العدل وأساء الأدب مع الشرع وخالف صاحب المنهج .يا للحسد من مرض لا يؤجر عليه صاحبه، ومن بلاء لا يثاب عليه المبتلى به، وسوف يبقى هذا الحاسد في حرقة دائمة حتى يموت أو تذهب نعم الناس عنهم . كل يصالح إلا الحاسد فالصلح معه أن تتخلى عن نعم الله وتتنازل عن مواهبك، وتلغي خصائصك، ومناقبك، فإن فعلت ذلك فلعله يرضى على مضض، نعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد ، فإنه يصبح كالثعبان الأسود السام لا يقر قراره حتى يفرغ سمه في جسم بريء .فأنهاك أنهاك عن الحسد واستعذ بالله من الحاسد فإنه لك بالمرصاد .السبب العشروناقبل الحياة كما هي
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفواً من الأقذاء والأكدار
هذا حال الدنيا منغصة اللذات، كثيرة التبعات، جاهمة المحيا، كثيرة التلون، مزجت بالكدر، وخلطت بالنكد، وأنت منها في كبد .ولن تجد ولداً أو زوجة، أو صديقاً، أو نبيلاً، ولا مسكناً ولا وظيفة إلا وفيه ما يكدر وعنده ما يسوء أحياناً، فأطفيء حر شره ببرد خيره، لتنجو رأساً برأس والجروح قصاص .أراد الله لهذه الدنيا أن تكون جامعة لضدين والنوعين والفريقين والرأيين خير وشر، صلاح وفساد، سرور وحزن، ثم يصفو الخير كله والصلاح والسرور في الجنة ويجمع الشر كله والفساد والحزن في النار .وفي الحديث: " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم " فعش واقعك ولا تسرح مع الخيال وحلق في عالم المثاليات، اقبل دنياك كما هي، وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها، فسوف لا يصفو لك فيها صاحب ولا يكمل لك فيها أمر؛ لأن الصفو والكمال والتمام ليس من شأنها ولا من صفاتها .لن تكمل لك زوجة وفي الحديث " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر" .فينبغي أن نسدد ونقارب ونعفو ونصفح ونأخذ ما تيسر ونذر ما تعسر ونغمض الطرف أحيانا ونسدد الخطى ، ونتغافل عن أمور .ومن لم يصانع في أمور كثيرة
يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
السبب الحادي والعشرون
تعز بأهل البلاء
تلفت يمنة ويسرة فهل ترى إلا مبتلى وهل تشاهد إلا منكوباً، في كل دار نائحة، وعلى كل خد دمع وفي كل وادٍ بنو سعد .أيها الشامت المعير بالدهر
أأنت المبرؤ الموفور
كم من المصائب وكم من الصابرين، فلست أنت وحدك المصاب بل مصابك أنت بالنسبة لغيرك قليل، كم من مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين وذات الشمال يئن من الألم ويصيح من السقم .كم من محبوس مر به سنوات ما رأى الشمس بعينه ، وما عرف غير زنزانته .وكم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان العمر .وكم من مكروب ومديون ومصاب ومنكوب .آن لك أن تتعـزى بهؤلاء وأن تعلم علم اليقين أن هذه الحياة سجنٌ للمؤمن ودار للأحزان والنكبات، تصبح القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها . بينما الشمل مجتمع والأبدان في عافية والأموال وافرة، والأولاد كثر، ثم ما هي إلا أيام فإذا الفقر والموت والفراق والأمراض (( وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال )) فعليك أن توطن نفسك كتوطين الجمل المحنك الذي يبرك على الصخرة ، وعليك أن توازن مصابك بمن حولك وبمن سبقك في مسيرة الدهر، ليظهر لك أنك معافى بالنسبة لهؤلاء وأنه لم يأتك إلا وخزات سهلة فاحمد الله على لطفه واشكره على ما أبقى ، واحتسب ما أخذ ، وتعز بمن حولك .ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
ولك قدوة في رسول صلى الله عليه وسلم وقد وضع السلا على رأسه وأدميت قدماه وشج وجهه وحوصر في الشعب حتى أكل ورق الشجر، وطرد من مكة، والفرجرت ثنيته، ورمي عرض زوجته الشريف، وقتل سبعون من أصحابه، وفقد ابنه، وأكثر بناته في حياته، وربط الحجر على بطنه من الجوع، واتهم بأنه شاعر ساحر كاهن مجنون كذاب، صانه الله من ذلك، وهذا بلاء لا بد منه ومحيص لا أعظم منه، وقد قتل قبل زكريا وذبح يحيى ، وهاجر موسى، ووضع الخليل في النار، وصار الأئمة على هذا الطريق فضرج عمر بدمه، واغتيل عثمان، وطعن علي ، وجلدت ظهور الأئمة وسجن الأخيار، ونكل بالأبرار (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا )) .السبب الثاني والعشرون
الصلاة ... الصلاة
(( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ))إذا داهمك الخوف وطوقك الحزن، وأخذ الهم بتلابيبك، فقم حالاً إلى الصلاة، تثوب لك روحك وتطمئن نفسك، إن الصلاة كفيلة بإذن الله باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم ومطاردة فلول الاكتئاب .كان صلى الله عليه وسلم إذا حالقضيبه أمرٌ قال : " أرحنا بالصلاة يا بلال " فكانت قرة عينه وسعادته وبهجته .وقد طالعت سير قوم أفذاذ كانت إذا ضاقت بهم الضوائق وكشرت في وجوههم الخطوب، فزعوا إلى صلاة خاشعة فتعود لهم قواهم وإراداتهم وهممهم .إن صلاة الخوف فرضت لتؤدى في ساعة الرعب، يوم تتطاير الجماجم، وتسيل النفوس على شفرات السيوف، فإذا أعظم تثبيت وأجل سكينة صلاة خاشعة .إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعرف على المسجد ، وأن يمرغ جبيـنه ليرضي ربه أولا ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب وإلا فإن الدمع سوف يحرق جفنه والحزن سوف يحطم أعصابه وليس لديه طاقة تمده بالسكينة والأمن إلا الصلاة.من أعظم النعم لو كنا نعقل هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا، رفع لدرجاتنا عند ربنا، ثم هي علاج عظيم لمآسينا ودواء ناجع لأمراضنا، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين وتملؤ جوانحنا بالرضا. أما أولئك الذي جانبوا المسجد وتركوا الصلاة، فمن نكد إلى نكد، ومن حزن إلى حزن ومن شقاء إلى شقاء (( فتعساً لهم وأضل أعمالهم )) .السبب الثالث والعشرون
حسبنا الله ونعم الوكيل
تفويض الأمر إلى الله ، والتوكل عليه، والثقة بوعده، والرضا بصنيعه، وحسن الظن به، وانتظار الفرج منه من أعظم ثمرات الإيمان، ومن أجل صفات المؤمنين، وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة ويعتمد على ربه في كل شأنه يجد الرعاية والولاية والكفاية والتأييد والنصرة .وإذا الرعاية لاحظتك عيونها
نم فالحوادث كلهن أمان
لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعـلها الله عليه برداً وسلاماً، ورسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما هددوا بجيوش الكفار وكتائب الوثنية قالوا: (( حسبنا الله ونعم الوكيل(173) فانقـلبوا بنعمةٍ من الله وفضل لم يمسسهم سوّءٌ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضلٍ عظيم )) .إن الإنسان وحده لا يستطيع أن يصارع الأحداث، ولا يقاوم الملمات، ولا ينازل الخطوب؛ لأنه خلق ضعيفاً عاجزاً، ولكنه حينما يتوكل على ربه ويثق بمولاه، ويفوض الأمر إليه، وإلا فما حيلة هذا العبد الفقير الحقير إذا احتوشته المصائب وأحاطت به النكبات (( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) .فيا من أراد أن ينصح نفسه توكل على القوي الغني ذي القوة المتين، لينقذك من الويلات، ويخرجك من الكربات، واجعل شعارك ودثارك حسبنا الله ونعم الوكيل، فإن قل مالك، وكثر دَيْنك، وجفت مواردك وشحت مصادرك، فناد حسبنا الله ونعم الوكيل .وإذا داهمك المرض، وألمح عليك السقم، وتضاعف عليك البلاء، فقل حسبنا الله ونعم الوكيل .وإذا خفت من عدو، أو رعبت من ظالم، أو فزعت من خطب فاهتف حسبنا الله ونعم الوكيل .(( وكفى بربك هادياً ونصيراً )) .السبب الرابع والعشرون
قل سيروا في الأرض
مما يشرح الصدر ويزيح سحب الهم والغم ؛ السفر في الديار، وقطع القفار، والتقلب في الأرض الواسعة، والنظر في كتاب الكون المفتوح لتشاهد أقلام القدرة وهي تكتب على صفحات الوجود آيات الجمال، لترى حدائق ذات بهجة، ورياضاً أنيقة وجنات ألفافاً، أخرج من بيتك وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلفك، اصعد الجبال، اهبط الأودية، تسلق الأشجار، عب من الماء النمير، ضع أنفك على أغصان الياسمين، حينها تجد روحك حرة طليقة، كالطائر الغريد تسبح في فضاء السعادة، اخرج من بيتك، ألق الغطاء الأسود عن عينيك، ثم سر في فجاج الله الواسعة ذاكراً مسبحاً.إن الانزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح للانتحار، وليست غرفتك هي العالم ولست أنت كل الناس، فلم الاستسلام أمام كتائب الأحزان، ألا فاهتف ببصرك وسمعك وقلبك: انفروا خفافاً وثقالاً، تعال لتقرأ القرآن هنا بين الجداول والخمائل بين الطيور وهي تتلو خطب الحب، وبين الماء وهو يروي قصة وصوله من التل .أيها ذا الشاكي وما بك داء
كن جميلاً ترى الوجود جميلاً
أترى الشوك في الورود وتعمى
أن ترى فوقه الندى إكليلاإن الترحال في مسارب الأرض متعة يوصي بها الأطباء لمن ثقلت عليه نفسه، وأظلمت عليه غرفته الضيقة، فهيا بنا نسافر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبر (( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا بطلاً سبحانك )) .السبب الخامس والعشرون
فصبر جميل
التحلي بالصبر من شيم الأفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر وبقوة إرادة وبمناعة أبية. وإن لم أصبر أنا وأنت فماذا نصنع؟هل عندك حل لنا غير الصبر؟ هل تعلم لنا زاداً غيره ؟ كان أحد العظماء مسرحاً تركض فيه المصائب وميداناً تتسابق فيه النكبات كلما خرج من كربة زارته كربة أخرى، وهو متترس بالصبر، متدرع بالثقة بالله، يقول عن حاله:تنكر لي دهري ولم يدر أنني
أعز وأحداث الزمان تهون
فبات يريني الدهر كيف عتوه
وبت أريه الصبر كيف يكون
هكذا يفعل النبلاء، يصارعون الملمات ويطرحون النكبات أرضاً .دخلوا على أبي بكر وهو مريض، قالوا: ألا ندعو لك طبيباً ؟ قال: الطبيب قد رآني . قالوا: فماذا قال ؟ قال : يقول: إني فعال لما أريد .ومرض أحد الصالحين فقيل له: ماذا يؤلمك ؟
فقال:
تموت النفوس بأوصابها
ولم يدر عوادها ما بها
وما أنصفت مهجة تشتكي
أذاها إلى غير أحبابها
واصبر وما صبرك إلا بالله، اصبر صبر واثق بالفرج، عالم بحسن المصير، طالب للأجر، راغب في تكفير السيئات، اصبر مهما ادلهمت الخطوب، وأظلمت أمامك الدروب، فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً .قرأت سير عظماء مروا في هذه الدنيا وذهلت لعظيم صبرهم وقوة احتمالهم، كانت المصائب تقع على رؤوسهم كأنها قطرات ماء باردة، وهم في ثبات الجبال، وفي رسوخ الحق، فما هو إلا وقت قصير فتشرق وجوههم على طلائع فجر الفرج، وفرحة الفتح، وعصر النصر. وأحدهم ما اكتفى بالصبر وحده، بل نازل الكوارث وتحدى المصائب وصاح في وجهها منشداً:إن كان عندك يا زمان بقية
مما يهان به الكرام فهاتها
السبب السادس والعشرون
لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك
نفر من الناس تدور في نفوسهم حرب عالمية، وهم على فرش النوم، فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا قرحة المعدة، وضغط الدم والسكري . يحترقون مع الأحداث، يغضبون من غلاء الأسعار، يثورون لتأخر الأمطار، يضجون لانخفاض سعر العملة، فهم في انزعاج دائم، وقلق واصب (( يحسبون كل صيحةٍ عليهم )) .ونصيحتي لك أن لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك، دع الأحداث على الأرض ولا تضعها في أمعاءك . إن البعض عنده قلب كالإسفنجة يتشرب الشائعات والأراجيف , ينزعج للتوافه، يهتز للواردات، يضطرب لكل شيء، وهذا القلب كفيل أن يحطم صاحبه وأن يهدم كيان حامله .أهل المبدأ الحق تزيدهم العبر والعظات إيماناً إلى إيمانهم، وأهل الخور تزيدهم الزلازل خوفاً إلى خوفهم، وليس أنفع أمام الزوابع والدواهي من قلبٍ شجاع، فإن المقدام الباسل واسع البطان، ثابت الجأش، راسخ اليقين، بارد الأعصاب، منشرح الصدر، أما الجبان فهو يذبح نفسه كل يوم مرات بسيف التوقعات والأراجيف والأوهام والأحلام، فإن كنت تريد الحياة المستقرة فواجه الأمور بشجاعة وجلد ولا يستخفـنك الذين لا يوقنون، ولا تك في ضيق مما يمكرون، كن أصلب من الأحداث، وأعتى من رياح الأزمات، وأقوى من الأعاصير، وارحمتاه لأصحاب القلوب الضعيفة كم تهزهم الأيام هزاً (( لتجدنهم أحرص الناس على حياةٍ )) وأما الأباة فهم من الله في مدد، وعلى الوعد في ثقة (( فأنزل السكينة عليهم )) .السبب السابع والعشرين
لا تحطمك التوافه
كم من مهموم سبب همه أمرٌ حقير تافه لا يذكر .وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
انظر إلى المنافقين، ما أسقط هممهم وما أبرد عزائمهم . هذه أقوالهم: لا تنفروا في الحر، إئذن لي ولا تفتني ، بيوتنا عورة ، نخشى أن تصيبنا دائرة ، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا . يا لخيبة هذه المعاطس , يا لتعاسة هذه النفوس .همهم البطون والصحون والدور والقصور، لم يرفعوا أبصارهم إلى سماء المثل، لم ينظروا أبداً إلى نجوم الفضائل . هم أحدهم ومبلغ علمه: دابته وثوبه ونعمه ومأدبته، وانظر لقطاع هائل من الناس تراهم صباح مساء سبب همومهم خلاف مع الزوجة أو الابن أو القريب أو سماع كلمة نابية أو موقف تافه . هذه مصائب هؤلاء البشر، ليس عندهم من المقاصد العليا من يشغلهم، ليس عندهم من الاهتمامات الجليلة ما يملأ وقتهم، وقد قالوا: إذا خرج الماء من الإناء ملأه الهواء، إذاَ ففكر في الأمر الذي تهتم له وتغتم، هل يستحق هذا الجهد وهذا العناء، لأنك أعطيته من عقلك ولحمك ودمك وراحتك ووقتك، وهذا غبن في الصفقة وخسارة هائلة ثمنها بخس، وعلماء النفس يقولون أجعل لكل شيء حداً معقولاً، وأصدق من هذا قوله تعالى: (( قد جعل الله لكل شيءٍ قدراً )) فأعط القضية حجمها ووزنها وقدرها وإياك والظلم والغلو .هؤلاء الصحابة الأبرار همهم تحت الشجرة الوفاء بالبيعة ، فنالوا رضوان الله , ورجل معهم أهمه جمله حتى فاته البيع فكان جزاءه الحرمان والمقت .فاطرح التوافه والاشتغال بها تجد أن أكثر همومك ذهبت عنك وعدت فرحاً مسروراً .السبب الثامن والعشرون
ارض بما قسم الله لك
تكن أغنى الناس
مر فيما سبق بعض معاني هذا السبب لكنني أبسطه هنا ليفهم أكثر وهو أن عليك أن تقنع بما قسم لك من جسم ومال وولد سكن وموهبة، وهذا منطق القرآن (( فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين )) . إن غالب علماء السلف وأكثر الجيل الأول كانوا فقراء لم يكن لديهم أعطيات ولا مساكن بهية، ولا مراكب، ولا حشم، ومع ذلك أثروا الحياة وأسعدوا أنفسهم والإنسانية؛ لأنهم وجهوا ما آتاهم الله من خير في سبيله الصحيح , فبورك لهم في أعمارهم وأوقاتهم ومواهبهم، ويقابل هذا الصنف المبارك ملأٌ أعطوا من الأموال والأولاد والنعم، فكانت سبب شقائهم وتعاستهم؛ لأنهم انحرفوا عن الفطرة السوية والمنهج الحق وهذا برهان ساطع على أن هذه الأشياء ليست كل شيء، انظر إلى من حمل شهادات عالمية لكنه نكرة من النكرات في عطاءه وفهمه وأثره، بينما تجد آخرين عندهم علم محدود، وقد جعلوا منه نهراً دافقاً بالنفع والإصلاح والعمار .إن كنت تريد السعادة فارض بصورتك التي ركبك الله فيها، وارض بوضعك الأسري وصوتك ومستوى فهمك، ودخلك، بل إن بعض المربين الزهاد يذهبون إلى أبعد من ذلك فيقولون لك: ارض بأقل مما أنت فيه وبدون ما أنت عليه وأنشدوا :سعادتك العظمى إذا كنت عاقلاً
مناك بحال دون حال تعيشها
هاك قائمة رائعة مليئة باللامعين الذين بخسوا حظوظهم الدنيوية :عطاء بن أبي رباح عالم الدنيا في عهده، مولى أسود أفطس أشل مفلفل الشعر .الأحنف بن قيس، حليم العرب قاطبة، نحيف الجسم، أحدب الظهر، أحنى الساقين، ضعيف البنية .الأعمش محدث الدنيا، من الموالي، ضعيف البصر، فقير ذات اليد، ممزق الثياب، رث الهيئة والمنزل .بل الأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، كل منهم رعى الغنم، وكان داود حداداً وزكريا نجاراً وإدريس خياطاً، وهم صفوة الناس وخير البشر .إذاً فقيمتك مواهبك وعملك الصالح ونفعك وخلقك، فلا تأس على ما فات من جمال أو مال أو عيال، وارض بقسمة الله (( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا )) .السبب التاسع والعشرون
ذكر نفسك بجنة عرضها السموات والأرض
إن جعت في هذه الدار أو افتقرت أو حزنت أو مرضت أو بخست حقاً أو ذقت ظلماً فذكر نفسك بالنعيم والراحة والسرور والحبور والأمن والخلد في جنات النعيم، إنك إن اعتقدت هذه العقيدة وعملت لهذا المصير تحولت خسائرك إلى أرباح، وبلاياك إلى عطايا . إن أعقل الناس هم الذين يعملون للآخرة لأنها خير وأبقى . وإن أحمق وأبله هذه الخـليقة هم الذين يرون أن هذه الدنيا هي قرارهم ودارهم ومنتهى أمانيهم، فتجدهم أجزع الناس عند المصائب، وأندمهم عند الحوادث؛ لأنهم لا يرون إلا حياتهم الزهيدة الحقيرة، لا ينظرون إلا إلى هذه الفانية، لا يتفكرون في غيرها ولا يعملون لسواها، فلا يريدون أن يعكر لهم سرورهم ولا يكدر عليهم فرحهم، ولو أنهم خلعوا حجاب الران عن قلوبهم، وغطاء الجهل عن عيونهم لحدثوا أنفسهم بدار الخلد ونعيمها ودورها وقصورها، ولسمعوا وأنصتوا لخطاب الوحي في وصفها، إنها والله الدار التي تستحق الاهتمام والكد والجهد .هل تأملنا طويلاً وصف أهل الجنة بأنهم لا يمرضون ولا يحزنون ولا يموتون ، ولا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم، في غرف يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يسير الراكب في ظل شجرة من أشجارها مائة عام لا يقـطعها، طول الخيمة فيها ستون ميلاً، أنهارها مطردة، قصورها منيفة، قطوفها دانية، عيونها جارية، سررها مرفوعة، أكوابها موضوعة، نمارقها مصفوفة، زرابيها مبثوثة، تم سرورها، عظم حبورها، فاح عرفها، عظم وصفها، منتهى الأماني فيها، فأين عقولنا لا تفكر، ما لنا لا نتدبر .إذا كان المصير إلى هذه الدار فلتخف المصائب على المصابين ولتقر عيون المنكوبين ولتفرح قلوب المعدمين .فيا أيها المسحوقون بالفقر ، المنهكون بالفاقة المبتلون بالمصائب ، اعملوا صالحاً لتسكنوا جنة الله وتجاوروه تقدست أسماؤه (( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )) .السبب الثلاثون
وكذلك جعلناكم أمة وسطا
العدل مطلب عقلي وشرعي، لا غلو ولا جفاء، لا إفراط ولا تفريط، ومن أراد السعادة فعليه أن يضبط عواطفه، واندفاعاته، وليكن عادلاً في رضاه وغضبه وسروره وحزنه؛ لأن الشطط والمبالغة في التعامل مع الأحداث ظلمٌ للنفس، وما أحسن الوسطية، فإن الشرع نزل بالميزان، والحياة قامت على القسط، ومن أتعب الناس من طاوع هواه واستسلم لعواطفه وميولاته حينها تتضخم عنده الحوادث وتظلـم لديه الزوايا وتقوم في قبله معارك ضارية من الأحقاد والدخائل والضغائن لأنه يعيش في أوهام وخيالات، حتى إن بعضهم يتصور أن الجميع ضده، وأن الآخرين يحبكون مؤامرة لإبادته، وتملي عليه وساوسه أن الدنيا له بالمرصاد، فلذلك يعيش في سحب سود من الخوف والهم والغم . إن الإرجاف ممنوع شرعاً , رخيص طبعاً وما يمارسه إلا أناس مفـلسون من القيم الحية والمبادئ الربانية (( يحسبون كل صيحةٍ عليهم )) .أجلس قلبك على كرسيه، فأكثر ما يخاف لا يكون، ولك قبل وقوع ما تخاف وقوعه أن تقدر أسوأ الاحتمالات ثم توطن نفسك على تقبل هذا الأسوأ، حينها تنجو من التكهنات الجائرة التي تمزق القلب قبل أن يقع الحدث فيبقى كقول الأول:كأن قطاة علقت بجناحهاعلى كبدي من شدة الخفقان
فيا أيها العاقل النابه اعط كل شيء حجمه، ولا تضخم الأحداث والمواقف والقضايا بل اقـتصد واعـدل ولا تجور ولا تذهب مع الوهم الزائف والسراب الخادع , اسمع ميزان الحب والبغض في الحديث : " أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما " (( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم )) .إن كثيراً من التخويفات والأراجيف لا حقيقة لها وقديماً قالوا :وقلت لقلبي إن نزا بك نزوة
من الهم افرح أكثر الروع باطـلهُالخاتمةهذا الكلام المكتوب لن تستفيد منه حتى تحاول تطبيقه في نفسك وبيتك وعملك وحياتك لتحصل على حياة أجمل بكثير من حياتك التي تعيشها , حياة سعيدة رغيدةً طيبة تصل منها إلى حياة دائمة مطمئنة في جنات النعيم (( ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) .سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلاٌم على المرسلين والحمد لله رب العالمين .الفهرسالمقدمة.................................................................................................. 3السبب الأول فكر واشكر.............................................................................. 5 السبب الثاني ما مضى فات........................................................................... 7السبب الثالث يومك يومك............................................................................. 9السبب الرابع اترك المستقبل حتى يأتي............................................................ 13السبب الخامس كيف تواجه النقد الآثم............................................................. 15السبب السادس لا تنتظر شكر من أحد............................................................. 18السبب السابع الإحسان إلى الغير.................................................................... 21السبب الثامن إطرد الفراغ بالعمل.................................................................. 23السبب التاسع لا تكن إمعة........................................................................... 25 السبب العاشر قضاء وقدر............................................................................ 27السبب الحادي عشر إن مع العسر يسراً............................................................ 29السبب الثاني عشر اصنع من الليمون شراباً حلواً................................................ 31السبب الثالث عشر أمن يجيب المضطر إذا دعاه.................................................. 33السبب الرابع عشر وليسعك بيتك.................................................................... 35السبب الخامس عشر العوض من الله............................................................... 37السبب السادس عشر الإيمان هو الحياة............................................................. 39السبب السابع عشر إجن العسل ولا تالفرجر الخلية.................................................. 41السبب الثامن عشر ألا بذكر الله تطمئن القلوب..................................................... 43السبب التاسع عشر أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله........................... 45السبب العشرون إقبل الحياة كما هو.................................................................... 47السبب الحادي والعشرون تعز بأهل المصائب......................................................... 49السبب الثاني والعشرون الصلاة... الصلاة............................................................ 52السبب الثالث والعشرون حسبنا الله ونعم الوكيل..................................................... 54السبب الرابع والعشرون قل سيروا في الأرض....................................................... 56السبب الخامس والعشرون فصبرٌ جميل................................................................ 58السبب السادس والعشرون لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك................................... 61السبب السابع والعشرون لا تحطمك التوافه.......................................................... 63السبب الثامن والعشرون أرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس................................ 65السبب التاسع والعشرون ذكر نفسك بجنة عرضها السموات والأرض......................... 68السبب الثلاثون وكذلك جعلناكم أمة سطا.............................................................. 70الخاتمــــــــــــــــــــــــــة................................................................................... 72
B